مقامة نحوية
حدثّني حبيبُ بنُ لبيب ، عن سيّار بنِ عيّار ،
قال : قادني التطواف في الآفاق إلى أطراف العراق ، فوجّهت ركابي إلى البصرة ، ألتمس من أصحابي النصرة .
فلمّا قاربت المربد ، وأنا مرهق مجهد ، وأنكدُ أربد ، تلقّاني أحد الأصحاب بالترحاب ، وأقسم لأطوفنّ معه بتلك الرحاب . وبينا نجول بين الحقول ، راح صاحبي
يقول :
حدثّني حبيبُ بنُ لبيب ، عن سيّار بنِ عيّار ،
قال : قادني التطواف في الآفاق إلى أطراف العراق ، فوجّهت ركابي إلى البصرة ، ألتمس من أصحابي النصرة .
فلمّا قاربت المربد ، وأنا مرهق مجهد ، وأنكدُ أربد ، تلقّاني أحد الأصحاب بالترحاب ، وأقسم لأطوفنّ معه بتلك الرحاب . وبينا نجول بين الحقول ، راح صاحبي
يقول :
ما رأيك بعد التشريق والتغريب ، في الجلوس إلى أديب أريب ، نُصيبُ من علمه ما نصيب ؟
قلت : لست من أهل العلم والأدب ، وليس لي فيهما أرب . أنا من أرباب المآدب لا الآداب ، ومن اتحاد الشطّار لا الكتّاب .
إذا تطفلت أو أولمت عرفت كيف أغرف وأجرف ، وإذا سُئلتُ فتكلّمتُ هرفتُ بما لا أعرف .
قال : تجلسُ وأنت ساكت ، وتعبس كأنّك قانت . فسكوتُك يوهم أنّك فاهم ، وقنوتُك يُظْهر أنك عالم ،
فيبدو للناس من عقلك ووقارك ، ويخفى عنهم جهلُك وعوارك .
وقبل أن يبصر على سحنتي الامتعاض ، وأعبّر عن محنتي بالاعتراض ، جذب ذراعي بذراعه ، كأنني بعضُ متاعه ،
وأدخلني داراً بلا بوّاب ، ينتابُها كلّ منتاب ، حتّى غُصَّتْ من الباب إلى المحراب .
وفي المحراب شيخٌ معمّم ، يعلّم الناس ممّا تعلّم ، فيسحرهم إذا همس وتمتم ، ويبهرهم إذا نبس وتكلّم .
فلمّا رآني كالمبغوت المبهوت ، أكاد من حيائي أموت ، انصرف من القوم إليّ ، وألقى السؤال عليّ ،
فأجبرني على القول ، كما أنطقتْ مصرُ أبا الهول . وبعد أن تشدّق وتفيْهق ، وصعقني وهو يتمنطق ،
صفعني بهذا السؤال : أين تلبس الذكران براقع النسوان ؟ وتبرز ربّات الجمال بعمائم الرجال ؟
قلت : لا يقع ذلك إلاّ في كرنفال ، أو حينما يظهر الأعور الدجّال !! قال : ويحك ما الكرنفال ؟ قلت : الكرنفال احتفال ، شهدتُه في بلاد الغال ، ثمّ انتقلت مباذلُه إلينا شرَّ انتقال .
فيه يميس الذكر بزيّ الأنثى ، فيغدو الفحل كالخنثى . وتختال الأنثى بالبنطال اختيال الفارس قبل النزال ،
فلا ينماز الرجال من النساء ، بعدما توحّد الكساء . قال : أقبح بهذه الرقاعة !! فإنها وصمة شناعة ، أو علامة من علامات الساعة .
ثم قال وهو يتبسّم ، ويسخر من جوابي ويتبرّم : أسألك عن الصرف والنحو ، وتجيبُ بالهرف واللغو ، هذا مجلس علم ، لا مقصف لهو .
أردتُ ببراقع النسوان تاء الأربعة ، من قولك : مرّ أربعة رجال بالمزرعة . فكلمة الأربعة بالتاء مبرقعة ، لأن التاء برقعُ النساء ، أخذه ابن آدم من بنت حوّاء .
فسأله مستعلم عليه سَمْتُ عالم : عرفنا البراقع فما العمائم ؟ وهل للمذكر علامات ومعالم ؟
أعجبه السؤال ، ونظر إليّ نظرة متعال ، ثم قال : الذكورة هي الأصل ، وفي الأصل القولُ الفصل ، وخلوّ المذكر من العلامة هو المقصود بالعمامة .
فإذا قلت : رأيت أربع نساء ، فالعلامة ، أي العمامة ، حذف التاء .
فنهض السائل وقال : أَتُعْرَفُ العلامة بالذِكْرِ أم بالإغفال ؟ وتوضع العمامة على الهامة في الواقع أم في الخيال ؟
فأرسل الشيخ أصابعه في رأسه ، يحكّه بخمسه ، لاستثارة حسّه ، وبعد تلجلج واضطراب ، وحيرة وارتياب أجاب :
إن حذف التّاء من آخر الأربع ، كسقوط الشعر من رأس الأقرع . والقَرَعُ في الذكران أشيع منه في النسوان .
فأيُّ علامة للتذكير أوضح في اللمعان على رؤوس القرعان والصُّلعان ؟
فلم يبق في المجلس أصلع ، إلاّ صفع صلعته ، فلمّا انفضَّ النديُّ عن النحويّ ، سألت صاحبي عن الشيخ البصري ،
فقال : هذا شيخ البلد ، علّمكَ قاعدة العدد . قلت : أهذه قاعدة أم أُحْجية ؟ أيُرَاد بها التبصرة أم التعمية ؟
قال : والله عن السرّ سألت ، وأنا استثْقلت ما استثْقلت ، وخرجت من مجلسه مثلما دخلت .
هذا تجهيل لا تعليم ، وتضليل لا تفهيم . ألم تسمع ما قلت للنحاة ؟ قلت : هات ، فأنشدني هذه الأبيات :
شيوخَ النحو ، نحْـوُكُمُ ثقيـلُ تضيق به المسامع والعـقولُ أحاجيكم عقارب أو أفاعــي يعاف سمومهـا الذوقُ الأصيلُ
دعوا الألغاز تغرق في كراها وتخنقـهـا الحبائل والكبـولُ عهدنا النحو يفتح كل قـفـلٍ وعلـم النحـو عـندكـم قفولُ
إذا خاض المُلَهْوَجُ سلسبـيلاً غـدت كالوحل تلـك السلسبيلُ وما جَهِلَ الصغارُ النحـوَ إلاّ لأنّ الـنـحـوَ عـلّمه الجهولُ ولو بُعِثَ الخليلُ لكي يرانـا لعافَ النحوَ والصرْفَ الخـليـلُ
د . غازي مختار طليمات
قلت : لست من أهل العلم والأدب ، وليس لي فيهما أرب . أنا من أرباب المآدب لا الآداب ، ومن اتحاد الشطّار لا الكتّاب .
إذا تطفلت أو أولمت عرفت كيف أغرف وأجرف ، وإذا سُئلتُ فتكلّمتُ هرفتُ بما لا أعرف .
قال : تجلسُ وأنت ساكت ، وتعبس كأنّك قانت . فسكوتُك يوهم أنّك فاهم ، وقنوتُك يُظْهر أنك عالم ،
فيبدو للناس من عقلك ووقارك ، ويخفى عنهم جهلُك وعوارك .
وقبل أن يبصر على سحنتي الامتعاض ، وأعبّر عن محنتي بالاعتراض ، جذب ذراعي بذراعه ، كأنني بعضُ متاعه ،
وأدخلني داراً بلا بوّاب ، ينتابُها كلّ منتاب ، حتّى غُصَّتْ من الباب إلى المحراب .
وفي المحراب شيخٌ معمّم ، يعلّم الناس ممّا تعلّم ، فيسحرهم إذا همس وتمتم ، ويبهرهم إذا نبس وتكلّم .
فلمّا رآني كالمبغوت المبهوت ، أكاد من حيائي أموت ، انصرف من القوم إليّ ، وألقى السؤال عليّ ،
فأجبرني على القول ، كما أنطقتْ مصرُ أبا الهول . وبعد أن تشدّق وتفيْهق ، وصعقني وهو يتمنطق ،
صفعني بهذا السؤال : أين تلبس الذكران براقع النسوان ؟ وتبرز ربّات الجمال بعمائم الرجال ؟
قلت : لا يقع ذلك إلاّ في كرنفال ، أو حينما يظهر الأعور الدجّال !! قال : ويحك ما الكرنفال ؟ قلت : الكرنفال احتفال ، شهدتُه في بلاد الغال ، ثمّ انتقلت مباذلُه إلينا شرَّ انتقال .
فيه يميس الذكر بزيّ الأنثى ، فيغدو الفحل كالخنثى . وتختال الأنثى بالبنطال اختيال الفارس قبل النزال ،
فلا ينماز الرجال من النساء ، بعدما توحّد الكساء . قال : أقبح بهذه الرقاعة !! فإنها وصمة شناعة ، أو علامة من علامات الساعة .
ثم قال وهو يتبسّم ، ويسخر من جوابي ويتبرّم : أسألك عن الصرف والنحو ، وتجيبُ بالهرف واللغو ، هذا مجلس علم ، لا مقصف لهو .
أردتُ ببراقع النسوان تاء الأربعة ، من قولك : مرّ أربعة رجال بالمزرعة . فكلمة الأربعة بالتاء مبرقعة ، لأن التاء برقعُ النساء ، أخذه ابن آدم من بنت حوّاء .
فسأله مستعلم عليه سَمْتُ عالم : عرفنا البراقع فما العمائم ؟ وهل للمذكر علامات ومعالم ؟
أعجبه السؤال ، ونظر إليّ نظرة متعال ، ثم قال : الذكورة هي الأصل ، وفي الأصل القولُ الفصل ، وخلوّ المذكر من العلامة هو المقصود بالعمامة .
فإذا قلت : رأيت أربع نساء ، فالعلامة ، أي العمامة ، حذف التاء .
فنهض السائل وقال : أَتُعْرَفُ العلامة بالذِكْرِ أم بالإغفال ؟ وتوضع العمامة على الهامة في الواقع أم في الخيال ؟
فأرسل الشيخ أصابعه في رأسه ، يحكّه بخمسه ، لاستثارة حسّه ، وبعد تلجلج واضطراب ، وحيرة وارتياب أجاب :
إن حذف التّاء من آخر الأربع ، كسقوط الشعر من رأس الأقرع . والقَرَعُ في الذكران أشيع منه في النسوان .
فأيُّ علامة للتذكير أوضح في اللمعان على رؤوس القرعان والصُّلعان ؟
فلم يبق في المجلس أصلع ، إلاّ صفع صلعته ، فلمّا انفضَّ النديُّ عن النحويّ ، سألت صاحبي عن الشيخ البصري ،
فقال : هذا شيخ البلد ، علّمكَ قاعدة العدد . قلت : أهذه قاعدة أم أُحْجية ؟ أيُرَاد بها التبصرة أم التعمية ؟
قال : والله عن السرّ سألت ، وأنا استثْقلت ما استثْقلت ، وخرجت من مجلسه مثلما دخلت .
هذا تجهيل لا تعليم ، وتضليل لا تفهيم . ألم تسمع ما قلت للنحاة ؟ قلت : هات ، فأنشدني هذه الأبيات :
شيوخَ النحو ، نحْـوُكُمُ ثقيـلُ تضيق به المسامع والعـقولُ أحاجيكم عقارب أو أفاعــي يعاف سمومهـا الذوقُ الأصيلُ
دعوا الألغاز تغرق في كراها وتخنقـهـا الحبائل والكبـولُ عهدنا النحو يفتح كل قـفـلٍ وعلـم النحـو عـندكـم قفولُ
إذا خاض المُلَهْوَجُ سلسبـيلاً غـدت كالوحل تلـك السلسبيلُ وما جَهِلَ الصغارُ النحـوَ إلاّ لأنّ الـنـحـوَ عـلّمه الجهولُ ولو بُعِثَ الخليلُ لكي يرانـا لعافَ النحوَ والصرْفَ الخـليـلُ
د . غازي مختار طليمات
» مذكرة شرح منهج اللغة الانجليزية للصف الثالث الاعدادي ترم اول 2012
» المراجعة النهائية فى العلوم ثالثة اعدادى ترم ثانى
» شرح منهج اللغة العربية الفصل الدراسي الاول
» مكتبة راااائعة لتحميل جميع أنواع الكتب
» مذكرة جغرافيا اولي اعدادي ترم اول 2011
» شرح منهج اللغة العربية للصف الثالث الاعدادي ترم اول 2012
» شرح منهج اللغة العربية للصف الثاني الاعدادي ترم اول 2012
» مذكرة رائعه لغة انجليزية ترم ثان الصف الثاني الاعدادي
» منهج العلوم اولي اعدادي ترم ثان
» مذكرة متميزة لغة انجليزى ثالثة اعدادى ترم ثانى
» مذكرة شرح منهج اللغة العربية للصف الاول الاعدادي ترم اول 2012
» ما هى الانشطه المدرسيه
» مذكرة شرح منهج اللغة الانجليزية للصف الثاني الاعدادي ترم اول 2012
» مذكرة مراجعة اللغة الانجليزية للصف الثالث الاعدادي ترم اول 2012